سلسلة ( هاجر ) | المناخ المعرفي في مكة وتعليم المرأة
كان للقداسة المكية بوجود الحرم الشريف والكعبة المقدسة دورٌ في تمتعها بمركز ثقافي كبير بين بلدان العالم الإسلامي وقامت بدور مميز في إثراء الحركة الثقافية في العالم الإسلامي , وتعددت أنظمة التعليم ومؤسساته بداية بالمنزل , ثم بالكُتّاب والمكاتب والمساجد خاصة المسجد الحرام , والأربطة , والمجالس العلمية ثم المدارس المتنوعة التي بلغت في هذه الفترة أكثرمن ثلاثين مدرسة , مما نتجت عنه حياة علمية مزدهرة التقت فيها جهود المكيين والمدنيين والمجاورين بجهود القادمين للحج والزيارة , فتكونت نهضة علمية ضاهت المراكز العلمية الأخرى بل أسهمت فيها .
ولا شك أن أغلب المؤلفات والكتب كانت تمثل مظهرًا من مظاهر النشاط العلمي بمكة , وربما قام مؤلفوها بتدريسها فكان الاهتمام منصبًا أولاً على علوم القرآن , حيث يُعد المصدر المعرفي الأول لدى المسلمين , فكان الاهتمام بقراءته وتلاوته , وتجويده وتفسيره والعلوم المتعلقة بهِ متمثلين في ذلك بقول الرسول عليه الصلاة والسلام : خيركم من تعلم القرآن وعلمه .
كما عني المكيون بالحديث النبوي عناية خاصة , فهو المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي , الذي وضع له علماء السنة قواعد الرواية التي هي أدق وأصح طريق علمي في نقل الروايات واختبارها.
كما كرسوا اهتمامهم بدراسة الفقه , وذلك لارتباطه بالدين , وعمق اتصاله بالقرآن والسنة , فيّسروا قواعده , ووضحوا تعاليمه كما حظيت اللغة العربية وعلومها المختلفة بعناية كبيرة جدًا , ونلحظ أن الاهتمام بها أول ما يبدأ بحلقات القراء والمحدثين والفقهاء كما أن الاهتمام بتعليم الأطفال بعض أمور النحو يبدأ من المراحل الأولى وبذلك اتسعت آفاق ومباحث اللغة والدراسات الأدبية كما حظي التاريخ بمكانة بارزة , وقام بدور بارز في تكوين الثقافة الدينية للمجتمع المكي فضلاً عن دوره في الحياة الاجتماعية وفنون الأدب والنشاطات السياسية والإدارية .
وتتضح الصورة المعرفية السائدة في المجتمع المكي بالدور المميز والمكثف الذي بثه علماء مكة في القرن التاسع الهجري والمؤلفات التي كانت تدرس في حلقات العلماء والكتاتيب والأربطة والمدارس , وأسهمت هذه المؤسسات والمنابر الثقافية في صنع قاعدة معرفية ثقافية تفاعلية نسائية للمجتمع المكي .
بذلك يكون الهدف من تعليم المرأة هو رغبة ولي أمرها في إنارة عقلها وترقية تفكيرها وتهيئتها لتمارس دورها في حياتها المستقبلية , ولم يكن ينظر لتعليم المرأة على أنه إعداد لها لتعمل أو أن يكون وسيلتها , لتحصل لقمة العيش , فإذا كان الرجل المكي يتعلم من أجل العلم لا لكي يحصل على عائد مادي , فإن المرأة وقد كفاها الرجل النفقة , من باب أولى تتعلم لكي تنفع نفسها ومجتمعها .
ولا ريب أن الوصول بالمرأة إلى هذا المستوى الراقي من التكوين الخلقي والروحي والنفسي والفكري نعمة إنسانية كبرى لا تعدلها نعمة من النعم الكثيرة التي يتقلب في أعطافها البشر , وإنجاز حضاري أكبر من كل إنجاز توصلت إليه الإنسانية في عمرها الطويل ذلك أن بلوغ المرأة هذا المستوى العالي من التكوين يعني نمو إنسانيتها , ونضج شخصيتها وأهليتها الكاملة لأداء رسالتها الكبرى في الحياة مع توأمها الرجل في إعمار الكون .
المرجع :
بحث للدكتورعائض بن محمد الزهراني
نسقه وأعده للنشرعلى الموقع .. عضو إدارة محتوى قبلة الدنيا :
ضحى الحرازي
0 تعليقات